فصل: فَصْلٌ: (فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الشِّقْصُ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الشِّقْصُ‏]‏

المتن‏:‏

إذَا اشْتَرَى بِمِثْلِيٍّ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِمُتَقَوِّمٍ فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَقِيلَ يَوْمَ اسْتِقْرَارِهِ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ، أَوْ بِمُؤَجَّلٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَجِّلَ وَيَأْخُذَ فِي الْحَالِ أَوْ يَصْبِرَ إلَى الْمَحَلِّ يَأْخُذُ وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيْرُهُ أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَيُؤْخَذُ الْمَمْهُورُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَكَذَا عِوَضُ الْخُلْعِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِجُزَافٍ وَتَلِفَ امْتَنَعَ الْأَخْذُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الشِّقْصُ‏.‏ وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَهُمَا ‏(‏إذَا اشْتَرَى‏)‏ شَخْصٌ شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ ‏(‏بِمِثْلِيٍّ‏)‏ كَبُرٍّ وَنَقْدٍ ‏(‏أَخَذَهُ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ‏)‏ إنْ تَيَسَّرَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ وَقْتَ الْأَخْذِ فَبِقِيمَتِهِ، وَلَوْ قُدِّرَ الثَّمَنُ بِغَيْرِ مِعْيَارِ الشَّرْعِ كَقِنْطَارِ حِنْطَةٍ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْقَرْضِ، وَقِيلَ‏:‏ يُكَالُ وَيُؤْخَذُ بِقَدْرِهِ كَيْلًا، وَحَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ ‏(‏أَوْ بِمُتَقَوِّمٍ‏)‏ كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ ‏(‏فَبِقِيمَتِهِ‏)‏ لِتَعَذُّرِ الْمِثْلِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَيَظْهَرُ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ مَلَكَ الثَّمَنَ قَبْلَ الْأَخْذِ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ لَا سِيَّمَا الْمُتَقَوِّمِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْهُ إنَّمَا كَانَ لِتَعَذُّرِهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ ا هـ‏.‏

وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ ‏(‏يَوْمَ‏)‏ أَيْ وَقْتَ ‏(‏الْبَيْعِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ إثْبَاتِ الْعِوَضِ وَاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ ‏(‏وَقِيلَ يَوْمَ‏)‏ أَيْ وَقْتَ ‏(‏اسْتِقْرَارِهِ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ‏)‏ كَمَا يُعْتَبَرُ الثَّمَنُ حِينَئِذٍ وَجَرَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي التَّنْبِيهِ وَنَبَّهْتُ فِي شَرْحِهِ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلَوْ جَعَلَ الشَّرِيكُ الشِّقْصَ رَأْسَ مَالٍ سَلَمٍ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا أَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ دَيْنٍ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ كَذَلِكَ، أَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ، أَوْ اسْتَأْجَرَ بِهِ، أَوْ أَمْتَعَهُ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الدِّيَةِ وَقْتَ الصُّلْحِ، أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِجَارَةِ، أَوْ مُتْعَةٍ حَالَ الْإِمْتَاعِ، وَإِنْ أَقْرَضَهُ أَخَذَهُ بَعْدَ مِلْكِ الْمُسْتَقْرِضِ بِقِيمَتِهِ وَيَصْدُقُ الدَّيْنُ فِيمَا ذُكِرَ بِالْحَالِ، وَيُقَابِلُهُ قَوْلُهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ اشْتَرَى ‏(‏بِمُؤَجَّلٍ فَالْأَظْهَرُ‏)‏ الْجَدِيدُ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُ بِمُؤَجَّلٍ بَلْ هُوَ ‏(‏مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَجِّلَ‏)‏ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي ‏(‏وَيَأْخُذَ‏)‏ الشِّقْصَ ‏(‏فِي الْحَالِ، أَوْ يَصْبِرَ إلَى الْمَحِلِّ‏)‏ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بِخَطِّهِ وَهُوَ الْحُلُولُ ‏(‏وَيَأْخُذُ‏)‏ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِتَأْخِيرِهِ لِعُذْرِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا لَهُ الْأَخْذَ بِالْمُؤَجَّلِ لَأَضْرَرْنَا بِالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَخْتَلِفُ وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ الْأَخْذَ فِي الْحَالِ بِنَظِيرِهِ مِنْ الْحَالِ أَضْرَرْنَا بِالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَكَانَ ذَلِكَ دَافِعًا لِلضَّرَرَيْنِ وَجَامِعًا لِلْحَقَّيْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ إعْلَامُ الْمُشْتَرِي بِالطَّلَبِ عَلَى أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحَيْنِ، وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ نُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَأْخُذُهُ بِالْمُؤَجَّلِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ يَأْخُذُهُ بِسِلْعَةٍ لَوْ بِيعَتْ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ لَبِيعَتْ بِذَلِكَ الْقَدْرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ اخْتَارَ الْأَوَّلُ الصَّبْرَ إلَى الْحُلُولِ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ‏.‏ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَجْهًا وَاحِدًا‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ زَمَنُ نَهْبٍ يَخْشَى مِنْهُ عَلَى الثَّمَنِ الْمُعَجَّلِ الضَّيَاعُ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُنَجَّمًا‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْمُؤَجَّلِ فَيُعَجَّلُ أَوْ يُصْبَرُ حَتَّى يَحِلَّ كُلُّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كُلَّمَا حَلَّ نَجْمٌ أَنْ يُعْطِيَهُ وَيَأْخُذَ بِقَدْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الشِّقْصِ وَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ إلَى مَحِلِّهِ وَأَبَى الشَّفِيعُ إلَّا الصَّبْرَ إلَى الْمَحِلِّ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ حَلَّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَوْتِهِ أَوْ نَحْوَهُ كَرِدَّةٍ لَا يَتَعَجَّلُ الْأَخْذَ عَلَى الشَّفِيعِ بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى خِيرَتِهِ، وَلَوْ مَاتَ الشَّفِيعُ فَالْخِيَرَةُ لِوَارِثِهِ ‏(‏وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيْرُهُ‏)‏ مِمَّا لَا شُفْعَةَ فِيهِ مِنْ مَنْقُولٍ كَنَقْدٍ أَوْ أَرْضٍ أُخْرَى لَا شَرِكَةَ فِيهَا لِلشَّفِيعِ صَفْقَةً وَاحِدَةً ‏(‏أَخَذَهُ‏)‏ أَيْ الشِّقْصَ لِوُجُودِ سَبَبِ الْأَخْذِ دُونَ غَيْرِهِ ‏(‏بِحِصَّتِهِ‏)‏ أَيْ بِقَدْرِهَا ‏(‏مِنْ الْقِيمَةِ‏)‏ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْمُقَابَلَةِ، فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مِائَةً، وَقِيمَةُ الشِّقْصِ ثَمَانِينَ وَقِيمَةُ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ عِشْرِينَ أَخَذَ الشِّقْصَ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ وَيَبْقَى الْمَضْمُومِ لِلْمُشْتَرِي بِالْخُمْسِ الْبَاقِي، فَقَوْلُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ لَا يُعْطِي هَذَا الْمَعْنَى لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ عَالِمًا بِالْحَالِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ امْتِنَاعِ إفْرَادِ الْمَعِيبِ بِالرَّدِّ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ جَهِلَ الْحَالَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ ا هـ‏.‏

وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ إنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذِكْرِ الْعِلْمِ عَلَى الْغَالِبِ ‏(‏وَيُؤْخَذُ‏)‏ الشِّقْصُ ‏(‏الْمَمْهُورُ‏)‏ لِامْرَأَةٍ ‏(‏بِمَهْرِ مِثْلِهَا‏)‏ وَقْتَ نِكَاحِهَا ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يُؤْخَذُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَقْتَ خُلْعِهَا ‏(‏عِوَضَ الْخُلْعِ‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ وَقِيمَتُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الشِّقْصُ مَعْلُومًا، فَلَوْ أَمْهَرَهَا شِقْصًا غَيْرَ مَعْلُومٍ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ‏(‏وَلَوْ اشْتَرَى بِجُزَافٍ‏)‏ بِتَثْلِيثِ جِيمِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الرِّبَا نَقْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَمَذْرُوعٍ مَكِيلٍ ‏(‏وَتَلِفَ‏)‏ الثَّمَنُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ ‏(‏امْتَنَعَ الْأَخْذُ‏)‏ بِالشُّفْعَةِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الثَّمَنِ وَالْأَخْذِ بِالْمَجْهُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ‏.‏ وَهَذَا مِنْ الْحِيَلِ الْمُسْقِطَةِ لِلشُّفْعَةِ، وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ إبْقَاءِ الضَّرَرِ لَا فِي دَفْعِ شُفْعَةِ الْجَارِ الَّذِي يَأْخُذُ بِهَا عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَا‏.‏ وَصُوَرُهَا كَثِيرَةٌ، مِنْهَا أَنْ يَبِيعَ الشِّقْصَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ بِكَثِيرٍ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ عَرَضًا يُسَاوِي مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ عِوَضًا عَنْ الثَّمَنِ أَوْ يَحُطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ، وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَهُ بِمَجْهُولٍ مُشَاهَدٍ وَيَقْبِضُهُ وَيَخْلِطُهُ بِغَيْرِهِ بِلَا وَزْنٍ فِي الْمَوْزُونِ أَوْ يُنْفِقَهُ أَوْ يُتْلِفَهُ، وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الشِّقْصِ جُزْءًا بِقِيمَةِ الْكُلِّ ثُمَّ يَهَبَهُ الْبَاقِيَ، وَمِنْهَا أَنْ يَهَبَ كُلٌّ مِنْ مَالِكِ الشِّقْصِ وَأَخَذَهُ لِلْآخَرِ، بِأَنْ يَهَبَ لَهُ الشِّقْصَ بِلَا ثَوَابٍ ثُمَّ يَهَبَ لَهُ الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ‏.‏ فَإِنْ خَشِيَ عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالْهِبَةِ وَكَّلَا أَمِينَيْنِ لِيَقْبِضَاهُمَا مِنْهُمَا مَعًا، بِأَنْ يَهَبَهُ الشِّقْصَ وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ، لِيُقْبِضَهُ إيَّاهُ وَيَهَبَهُ الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِيُقْبِضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ يَتَقَابَضَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِمُتَقَوِّمٍ قِيمَتُهُ مَجْهُولَةٌ كَفَصٍّ ثُمَّ يَضَعَهُ أَوْ يَخْلِطَهُ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ إحْضَارُهُ وَلَا الْإِخْبَارُ بِقِيمَتِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَذَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُ الشَّفِيعِ مِنْ رُؤْيَةِ الشِّقْصِ إذَا مَنَعْنَا أَخْذَ مَا لَمْ يَرَهُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَا حَقَّ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَإِنْ ادَّعَى عِلْمَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرًا‏)‏ لِثَمَنِ الشِّقْصِ كَقَوْلِهِ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ‏(‏وَقَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ لَمْ يَكُنْ‏)‏ ذَلِكَ الثَّمَنُ ‏(‏مَعْلُومَ الْقَدْرِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ‏)‏ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ بِهِ، وَيُخَالِفُ هَذَا مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَلْفًا فَقَالَ‏:‏ لَا أَعْلَمُ كَمْ لَكَ عَلَيَّ حَيْثُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ مِنْهُ إذْ الْمُدَّعَى هُنَا هُوَ الشِّقْصُ لَا الثَّمَنُ الْمَجْهُولُ وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِ الْمُشْتَرِي لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ‏.‏ فَكَانَ ذَلِكَ إنْكَارًا لِوِلَايَةِ الْأَخْذِ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ لَمْ أَشْتَرِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ حَلَفَ كَذَلِكَ وَلِلشَّفِيعِ بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَيُحَلِّفَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا‏.‏ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْكُلَ الْمُشْتَرِي فَيُسْتَدَلَّ بِنُكُولِهِ فَيَحْلِفَ عَلَى مَا عَيَّنَهُ وَيُشَفَّعَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ يُسْنَدُ إلَى التَّخْمِينِ كَمَا فِي جَوَازِ الْحَلِفِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ إذَا سَكَنَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ‏.‏ وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ نَسِيت قَدْرَ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ عُذْرًا بَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ جَوَابٌ كَافٍ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ‏:‏ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا حَلَفَ سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ وَقِيلَ‏:‏ إنَّ الشُّفْعَةَ مَوْقُوفَةٌ إلَى أَنْ يَتَّضِحَ الْحَالُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ النَّصِّ ‏(‏وَإِنْ ادَّعَى‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏عِلْمَهُ‏)‏ أَيْ الْمُشْتَرَى بِالثَّمَنِ ‏(‏وَلَمْ يُعَيِّنْ‏)‏ لَهُ ‏(‏قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ حَقًّا لَهُ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ تُسْمَعُ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ‏:‏ تَلِفَ عَمَّا لَوْ كَانَ بَاقِيًا فَإِنَّهُ يَضْبِطُ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِقَدْرِهِ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَلْفًا وَكَفًّا مِنْ الدَّرَاهِمِ هُوَ دُونَ الْمِائَةِ يَقِينًا، فَقَالَ الشَّفِيعُ‏:‏ أَنَا آخُذُهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ، لَكِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي قَبْضُ تَمَامِ الْمِائَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بَطَلَ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ، وَلَا أَبْدَلَ وَبَقِيَا؛

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ‏)‏ الَّذِي دَفَعَهُ مُشْتَرِي الشِّقْصِ ‏(‏مُسْتَحَقًّا‏)‏ لِغَيْرِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِتَصْدِيقٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَذَلِكَ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ ‏(‏فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا‏)‏ كَأَنْ اشْتَرَى بِهَذِهِ الْمِائَةِ ‏(‏بَطَلَ الْبَيْعُ‏)‏ يَعْنِي بَانَ بُطْلَانُهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ عِوَضِهِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْمَالِكُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَمْ نَقْدًا؛ لِأَنَّ النَّقْدَ عِنْدَنَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ كَالْعَرَضِ ‏(‏وَ‏)‏ بَطَلَتْ ‏(‏الشُّفْعَةُ‏)‏ لِتَرَتُّبِهَا عَلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الثَّمَنِ مُسْتَحَقًّا بَطَلَ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَبِيعِ وَالشُّفْعَةِ دُونَ الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ ‏(‏وَلَا‏)‏ بِأَنْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَدَفَعَ عَمَّا فِيهَا، فَخَرَجَ الْمَدْفُوعُ مُسْتَحَقًّا ‏(‏أَبْدَلَ‏)‏ الْمَدْفُوعَ ‏(‏وَبَقِيَا‏)‏ أَيْ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ، فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ الشِّقْصِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَبَرَّعَ بِتَسْلِيمِهِ وَحَبْسِهِ إلَى أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

خُرُوجُ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ نُحَاسًا كَخُرُوجِ الثَّمَنِ مُسْتَحَقًّا، وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَنُ رَدِيئًا تَخَيَّرَ الْبَائِعُ بَيْنَ الرِّضَا بِهِ وَالِاسْتِبْدَالِ‏.‏ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِمِثْلِهِ، بَلْ يَأْخُذُ مِنْ الشَّفِيعِ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ، كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي وَجْهُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغَرَضَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ‏.‏

وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ جَارٍ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْعَبْدُ الَّذِي بَاعَ بِهِ الْبَائِعُ مَعِيبًا، وَرَضِيَ بِهِ أَنَّ عَلَى الشَّفِيعِ قِيمَتِهِ سَلِيمًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ‏.‏

وَقَالَ الْإِمَامُ‏:‏ إنَّهُ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَعِيبًا حَكَاهُمَا فِي الرَّوْضَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَالتَّغْلِيظُ بِالْمِثْلِيِّ أَوْلَى‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالصَّوَابُ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ ذِكْرُ وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا اعْتِبَارُ مَا ظَهَرَ‏:‏ أَيْ لَا مَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الْمَعِيبِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ مُسْتَحَقًّا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ إنْ جَهِلَ؛ وَكَذَا إنْ عَلِمَ فِي الْأَصَحِّ؛

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ‏)‏ ثَمَنًا ‏(‏مُسْتَحَقًّا‏)‏ لِغَيْرِهِ ‏(‏لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ‏)‏ جَزْمًا ‏(‏إنْ جَهِلَ‏)‏ كَوْنَهُ مُسْتَحَقًّا بِأَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِمَالِهِ وَعَلَيْهِ إبْدَالُهُ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ ‏(‏إنْ عَلِمَ‏)‏ كَوْنَهُ مُسْتَحَقًّا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا كَتَمَلَّكْت الشِّقْصَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الطَّلَبِ وَالْأَخْذِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ فَكَأَنَّهُ تَرَكَ الْأَخْذَ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَمَلُّكٍ جَدِيدٍ‏.‏ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ لَمْ تَبْطُلْ جَزْمًا، وَعَلَيْهِ إبْدَالُهُ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ دَفَعَ رَدِيئًا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ عَلِمَ أَوْ جَهِلَ‏.‏

المتن‏:‏

وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ كَبَيْعٍ وَوَقْفٍ وَإِجَارَةٍ صَحِيحٌ، وَلِلشَّفِيعِ نَقْضُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالْوَقْفِ، وَأَخَذَهُ، وَيَتَخَيَّرُ فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ كَبَيْعٍ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَوْ يَنْقُضَهُ أَوْ يَأْخُذَ بِالْأَوَّلِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ‏)‏ الْمَشْفُوعِ ‏(‏كَبَيْعٍ‏)‏ وَهِبَةٍ ‏(‏وَوَقْفٍ وَإِجَارَةٍ‏)‏ وَرَهْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ‏(‏صَحِيحٌ‏)‏؛؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ كَتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ‏(‏وَلِلشَّفِيعِ نَقْضُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ‏)‏ مِمَّا لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ لَوْ وُجِدَ ابْتِدَاءً ‏(‏كَالْوَقْفِ‏)‏ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَحُكْمِ جَعْلِهِ مَسْجِدًا كَالْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ ‏(‏وَأَخْذِهِ‏)‏ أَيْ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى هَذَا التَّصَرُّفِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ حَقُّ فَسْخِ الْبَائِعِ بِالْفَلَسِ يَبْطُلُ بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، وَحَقُّ رُجُوعِ الْمُطَلِّقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَى نِصْفِ الصَّدَاقِ يَبْطُلُ بِتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَنْتَقِلَانِ إلَى الْبَدَلِ وَلَا كَذَلِكَ حَقُّ الشَّفِيعِ ‏(‏وَيَتَخَيَّرُ‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ كَبَيْعٍ‏)‏ وَإِصْدَاقٍ ‏(‏بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ‏)‏ ‏(‏بِالْبَيْعِ الثَّانِي‏)‏ أَوْ الْإِصْدَاقِ ‏(‏أَوْ يَنْقُضَهُ أَوْ يَأْخُذَ‏)‏ هـ ‏(‏بِالْأَوَّلِ‏)‏ لِمَا مَرَّ‏.‏ وَفَائِدَتُهُ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْأَوَّلِ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ أَوْ الْجِنْسَ فِيهِ أَسْهَلُ‏.‏ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّقْضِ الْفَسْخُ‏.‏ ثُمَّ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بَلْ الْأَخْذُ بِهَا‏.‏ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ لَفْظُ فَسْخٍ قَبْلَهُ كَمَا اسْتَنْبَطَهُ فِي الْمَطْلَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ تَصَرُّفُ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، فَلَا يَكْفِي فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْوَاهِبُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ تَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَبَّرَ بِالْإِبْطَالِ أَوْ الْفَسْخِ كَانَ أَوْلَى‏.‏ فَإِنَّ النَّقْضَ رَفْعُ الشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي بَابِ أَسْبَابِ الْحَدَثِ

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ أَوْ زَرَعَ فِي الْمَشْفُوعِ وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ قَلَعَ ذَلِكَ مَجَّانًا لِعُدْوَانِ الْمُشْتَرِي نَعَمْ إنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ثُمَّ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْقِسْمَةُ تَتَضَمَّنَ غَالِبًا رِضَا الشَّفِيعِ بِتَمَلُّكِ الْمُشْتَرِي‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بِصُوَرٍ‏:‏ مِنْهَا أَنْ يُظْهِرَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ هِبَةٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ بِأَقَلَّ أَوْ يَظُنَّ الشَّفِيعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَكِيلٌ لِلْبَائِعِ، وَلِبِنَاءِ الْمُشْتَرِي وَغِرَاسِهِ حِينَئِذٍ حُكْمُ بِنَاءِ الْمُسْتَعِيرِ وَغِرَاسِهِ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُكَلَّفُ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ إذَا اخْتَارَ الْقَلْعَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ نَقْصٌ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ عَلَى صِفَتِهِ أَوْ يَتْرُكُ وَيَبْقَى زَرْعُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ بِلَا أُجْرَةٍ، وَلِلشَّفِيعِ تَأْخِيرُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَهُ، وَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَى أَوَانِ جِدَادِ الثَّمَرَةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الشِّقْصِ شَجَرٌ عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لَا تُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَأْخُوذِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي إحْدَاثَ بِنَاءٍ وَادَّعَى الشَّفِيعُ أَنَّهُ قَدِيمٌ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الشَّامِلِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ أَوْ كَوْنَ الطَّالِبِ شَرِيكًا، فَإِنْ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ بِالْبَيْعِ فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ، وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ وَإِنْ اعْتَرَفَ فَهَلْ يُتْرَكُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ‏؟‏ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ نَظِيرُهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ‏)‏ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ تَلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ ‏(‏صُدِّقَ الْمُشْتَرِي‏)‏ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا بَاشَرَهُ مِنْ الشَّفِيعِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدَّعِ مَا يَكْذِبُهُ الْحِسُّ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِينَارٍ، وَهُوَ يُسَاوِي دِينَارًا لَمْ يُصَدَّقْ فَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ الشَّفِيعُ وَأَخَذَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ لَهُ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَحَالَفَا كَالْمُتَبَايِعِينَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ مُدَّعٍ وَمُبَاشِرٌ لِلْعَقْدِ، وَهَهُنَا الْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي وَالشَّفِيعُ لَمْ يُبَاشِرْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لَزِمَ الشَّفِيعَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لِاعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْبَيْعَ جَرَى بِذَلِكَ وَالْبَائِعُ ظَالِمٌ بِالزِّيَادَةِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّفِيعِ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَقْلِيلِ الثَّمَنِ‏.‏ وَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِالتَّحَالُفِ أَوْ نَحْوَهُ بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أُقِرَّتْ الشُّفْعَةُ وَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الشِّقْصِ لِلْبَائِعِ أَوْ تَحَالَفَا قَبْلَ الْأَخْذِ أَخَذَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ اعْتَرَفَ بِاسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُ وَعُهْدَةُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ لِتَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ ‏(‏لَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ‏)‏ لِلشِّقْصِ بِأَنْ قَالَ‏:‏ لَمْ أَشْتَرِهِ سَوَاءٌ أَقَالَ‏:‏ مَعَهُ وَرِثْتُهُ أَوْ اتَّهَبْتُهُ أَمْ لَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْكَرَ ‏(‏كَوْنَ الطَّالِبِ‏)‏ لِلشِّقْصِ ‏(‏شَرِيكًا‏)‏ أَوْ كَوْنَ مِلْكِهِ مُقَدَّمًا عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ أَيْضًا بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ‏.‏ وَيَحْلِفُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ فِي الْأُولَى وَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ‏.‏ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ عَلَى الْبَتِّ وَاسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ ‏(‏فَإِنْ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ‏)‏ الْقَدِيمُ‏.‏ وَهُوَ الْبَائِعُ ‏(‏بِالْبَيْعِ‏)‏ لِلْمُشْتَرِي الْمُنْكِرِ لِلشِّرَاءِ وَالْمَشْفُوعُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ وَدِيعَةٌ لَهُ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ‏(‏فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ‏)‏ لِطَالِبِ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَحَقِّ الشَّفِيعِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ بِإِنْكَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِ الشَّفِيعِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا تَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الشِّرَاءُ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ ‏(‏وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ‏)‏ مِنْ الْمُشْتَرِي‏.‏ وَعَلَيْهِ عُهْدَةُ الشِّقْصِ لِتَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ وَكَأَنَّ الشَّفِيعَ هُوَ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ مِنْ الشَّفِيعِ، كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ مَالَهُ قَدْ يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ‏.‏ فَإِنْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ مِنْهُ وَكَانَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ ‏(‏وَإِنْ اعْتَرَفَ‏)‏ الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ ‏(‏فَهَلْ يُتْرَكُ‏)‏ الثَّمَنُ ‏(‏فِي يَدِ الشَّفِيعِ أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ‏)‏ فَإِنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ ‏(‏فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ نَظِيرُهُ‏)‏ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ هُنَاكَ‏:‏ إذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏ فَصَرَّحَ هُنَاكَ بِالْأَصَحِّ وَصَرَّحَ هُنَا بِذِكْرِ الْمُقَابِلِ لَهُ أَيْضًا‏.‏ فَالْمُرَادُ سَبْقُ أَصْلِ الْخِلَافِ، لَا أَنَّ الْوُجُوهَ كُلَّهَا سَبَقَتْ فِي الْإِقْرَارِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهُوَ لَمْ يُقْبَضْ‏.‏ وَتَسَمَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْتِعْمَالِ أَمْ بَعْدَ، هَلْ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّ أَمْ تَكُونُ بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَأَوْ بَعْدَ هَلْ‏.‏ وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي شِرَاءَ الشِّقْصِ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَالْبَائِعُ غَائِبٌ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ‏.‏ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِالتَّصَادُقِ لِيَكُونَ الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ اشْتَرَيْتُهُ لِغَيْرِي نُظِرَ إنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ حَاضِرًا وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ انْتَقَلَتْ الْخُصُومَةُ إلَيْهِ‏.‏ وَإِنْ أَنْكَرَ أَوْ كَانَ غَائِبًا أَوْ مَجْهُولًا أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِلَا ثَمَنٍ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى سَدِّ بَابِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ طِفْلًا مُعَيَّنًا، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لِلْمُقِرِّ وِلَايَةٌ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ وَاحِدٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ جَمْعٌ أَخَذُوا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، وَفِي قَوْلٍ عَلَى الرُّءُوسِ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ بَاقِيَهَا لِآخَرَ فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَفَا عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

أَمَّا لَوْ اسْتَحَقَّهَا جَمْعٌ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ جَمْعٌ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ ‏(‏أَخَذُوا‏)‏ بِهَا فِي الْأَظْهَرِ ‏(‏عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ‏)‏ مِنْ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ بِالْمِلْكِ فَقِسْطٌ عَلَى قَدْرِهِ كَالْأُجْرَةِ وَالثَّمَرَةِ، فَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِوَاحِدٍ نِصْفُهَا، وَلِآخَرَ ثُلُثُهَا، وَلِآخَرَ سُدُسُهَا فَبَاعَ الْأَوَّلُ حِصَّتَهُ أَخَذَ الثَّانِي سَهْمَيْنِ وَالثَّالِثُ سَهْمًا ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ أَخَذُوا ‏(‏عَلَى‏)‏ قَدْرِ ‏(‏الرُّءُوسِ‏)‏ الَّتِي لِلشُّرَكَاءِ فَيُقْسَمُ النِّصْفُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ سَوَاءً؛ لِأَنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ أَصْلُ الشَّرِكَةِ وَاخْتَارَ هَذَا جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّ الْأَوَّلَ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ مَاتَ مَالِكُ أَرْضٍ عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِلْعَمِّ وَالْأَخِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمِلْكِ وَالنَّظَرُ فِي الشُّفْعَةِ إلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ لَا إلَى سَبَبِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ الْمُحْوِجَ إلَى إثْبَاتِهَا لَا يَخْتَلِفُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرِيكَيْنِ مَلَكَا بِسَبَبٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الشُّرَكَاءِ مَلَكَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِثَالُهُ بَيْنَهُمَا دَارٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلَيْنِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِمَا مَرَّ وَإِنْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ بِنْتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ وَخَلَّفَ دَارًا فَبَاعَتْ إحْدَاهُنَّ نَصِيبَهَا شَفَعَ الْبَاقِيَاتِ كُلَّهُنَّ لَا أُخْتُهَا فَقَطْ ‏(‏وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ‏)‏ فِي عَقَارٍ مُنَاصَفَةً ‏(‏نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏ثُمَّ‏)‏ قَبْلَ أَخْذِ الشَّرِيكِ الْأَوَّلِ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَفْوِ عَنْهَا بَاعَ ‏(‏بَاقِيَهَا لِآخَرَ فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ فِي حَالِ الْبَيْعِ شَرِيكٌ إلَّا الْبَائِعُ وَالْبَائِعُ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ مَا بَاعَهُ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَفَا‏)‏ الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ ‏(‏عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ‏)‏ بَعْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي ‏(‏شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي‏)‏؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ سَبَقَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ، وَاسْتَقَرَّ بِعَفْوِ الشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عَنْهُ فَيَسْتَحِقُّ مُشَارَكَتَهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَعْفُ الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بَلْ أَخَذَهُ مِنْهُ ‏(‏فَلَا‏)‏ يُشَارِكُ الْأَوَّلُ الْقَدِيمُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُشَارِكُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ حَالَةَ الشِّرَاءِ، وَالثَّالِثُ‏:‏ لَا يُشَارِكُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ الْقَدِيمَ تَسَلَّطَ عَلَى مِلْكِهِ فَكَيْفَ يُزَاحِمُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِثُمَّ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقَعَ الْبَيْعَانِ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَإِنْ وَقَعَا مَعًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِيهِمَا مَعًا لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً، وَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْعَفْوَ بَعْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ عَفَا قَبْلَهُ اشْتَرَكَا فِيهِ قَطْعًا أَوْ أَخَذَ قَبْلَهُ انْتَفَتْ قَطْعًا‏.‏

المتن‏:‏

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُ شَفِيعَيْنِ سَقَطَ حَقُّهُ، وَتَخَيَّرَ الْآخَرُ بَيْنَ أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ، وَأَنَّ الْوَاحِدَ إذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ سَقَطَ كُلُّهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُ شَفِيعَيْنِ سَقَطَ حَقُّهُ‏)‏ مِنْ الشُّفْعَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ ‏(‏وَتَخَيَّرَ الْآخَرُ بَيْنَ أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ‏)‏ كَالْمُنْفَرِدِ ‏(‏وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ‏)‏ لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالثَّانِي‏:‏ يَسْقُطُ حَقُّ الْعَافِي وَغَيْرُهُ كَالْقِصَاصِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِيلُ تَبْعِيضُهُ وَيُنْتَقَلُ إلَى بَدَلِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ وَتَخَيَّرَ الْآخَرُ إلَخْ فِي حَيِّزِ الْأَصَحِّ كَمَا تَقَرَّرَ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ وَإِنَّ الْآخَرَ يُخَيَّرُ كَانَ أَصَرْحَ فِي إفَادَةِ الْخِلَافِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي شُفْعَةٍ ثَبَتَتْ لِعَدَدٍ ابْتِدَاءً، فَلَوْ كَانَ لِشِقْصٍ شَفِيعَانِ فَمَاتَ كُلٌّ عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمْ سَقَطَ حَقُّهُ وَانْتَقَلَ لِلثَّلَاثَةِ فَيَأْخُذُونَ الشِّقْصَ أَثْلَاثًا ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّ‏)‏ الشَّفِيعَ ‏(‏الْوَاحِدَ إذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ سَقَطَ كُلُّهُ‏)‏ كَالْقِصَاصِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ كَعَفْوِهِ عَنْ بَعْضِ حَدِّ الْقَذْفِ، وَالثَّالِثُ‏:‏ يَسْقُطُ مَا أَسْقَطَهُ وَيَبْقَى الْبَاقِي لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ فِي الْحَالِ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ شَارَكَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الْأَخْذِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ‏)‏ وَغَابَ الْآخَرُ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ الْحَاضِرِ ‏(‏أَخْذُ الْجَمِيعِ فِي الْحَالِ‏)‏ لَا الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْغَائِبُ، إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ بِوَقْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِي الْأَخْذِ، فَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَأْخُذَ الْحَاضِرُ حِصَّتَهُ فَقَطْ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ لَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ الْوَاحِدُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ حَقِّهِ، وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ ‏(‏فَإِذَا‏)‏ أَخَذَ الْحَاضِرُ الْجَمِيعَ ثُمَّ ‏(‏حَضَرَ الْغَائِبُ شَارَكَهُ‏)‏ فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فَحُضُورُهُ الْآنَ، كَحُضُورِهِ مِنْ قَبْلُ وَمَا اسْتَوْفَاهُ الْحَاضِرُ مِنْ الْمَنَافِعِ وَالثَّمَرَةِ وَالْأُجْرَةِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْغَائِبُ، كَمَا أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يُشَارِكُ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الْأَخْذِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ‏)‏ وَإِنْ كَانَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ لِعُذْرِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ الْآنَ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ‏.‏ وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ ثَلَاثَةٌ كَأَنْ كَانَتْ دَارٌ لِأَرْبَعَةٍ بِالسَّوَاءِ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ وَاسْتَحَقَّهَا الْبَاقُونَ فَحَضَرَ أَحَدُهُمْ أَخَذَ الْكُلَّ أَوْ تَرَكَ أَوْ أَخَّرَ لِحُضُورِهِمَا كَمَا مَرَّ، فَإِنْ أَخَذَ الْكُلَّ وَحَضَرَ الثَّانِي نَاصَفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا شَفِيعَانِ، وَإِذَا حَضَرَ الثَّالِثُ أَخَذَ مِنْ كُلِّ ثُلُثٍ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ، وَلَوْ أَرَادَ أَخْذَ ثُلُثِ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ جَازَ كَمَا يَجُوزُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ فَقَطْ‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّ لِلثَّانِي أَخْذَ الثُّلُثِ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ الْحَقُّ عَلَيْهِ إذْ الْحَقُّ ثَبَتَ لَهُمْ أَثْلَاثًا، فَإِنْ حَضَرَ الثَّالِثُ وَأَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِ الْأَوَّلِ أَوْ ثُلُثَ مَا فِي يَدِ كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَكَانَ الثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ قَدْ أَخَذَ مِنْ الْأَوَّلِ النِّصْفَ اسْتَوَوْا فِي الْمَأْخُوذِ أَوْ أَخَذَ الثَّالِثُ ثُلُثَ الثُّلُثِ الَّذِي فِي يَدِ الثَّانِي، فَلَهُ ضَمُّهُ إلَى مَا فِي يَدِ الْأَوَّلِ وَيَقْتَسِمَانِهِ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَتَصِحُّ قِسْمَةُ الشِّقْصِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ثُلُثَ الثُّلُثِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ تِسْعَةٍ يَضُمُّهُ إلَى سِتَّةٍ مِنْهَا فَلَا تَصِحُّ عَلَى اثْنَيْنِ فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي تِسْعَةٍ فَلِلثَّانِي مِنْهَا اثْنَانِ فِي الْمَضْرُوبِ فِيهَا بِأَرْبَعَةٍ يَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَبْعَةٌ، وَإِذَا كَانَ رُبْعُ الدَّارِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَجُمْلَتُهَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلثَّالِثِ أَخْذُ ثُلُثِ الثُّلُثِ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَلِي مِنْهُ ثُلُثُهُ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَعَفَا الْحَاضِرُ ثُمَّ مَاتَ الْغَائِبُ فَوَرِثَهُ الْحَاضِرُ أَخَذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَفَا أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ الْآنَ يَأْخُذُ بِحَقِّ الْإِرْثِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اشْتَرَيَا شِقْصًا فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِهِمَا وَنَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ فَلَهُ أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا يَضُرُّ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِي شِقْصِ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ لَمْ يَضُرَّ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ اشْتَرَيَا‏)‏ أَيْ اثْنَانِ ‏(‏شِقْصًا‏)‏ مِنْ وَاحِدٍ ‏(‏فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِهِمَا وَنَصِيبِ أَحَدِهِمَا‏)‏ فَقَطْ إذْ لَا تَفْرِيقَ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ فَلَهُ‏)‏ أَيْ الشَّفِيعِ ‏(‏أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِعَقْدَيْنِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْجَمِيعَ فَلَا يُفَرَّقُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَاعَ شِقْصَيْنِ مِنْ دَارَيْنِ صَفْقَةً جَازَ أَخْذُ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ اتَّحَدَ فِيهِمَا الشَّفِيعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى تَبْعِيضِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ مِنْ اثْنَيْنِ جَازَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ رُبْعِهِ أَوْ نِصْفِهِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ أَوْ الْجَمِيعِ‏.‏ وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ شَرِيكَهُ بِبَيْعِ نَصِيبِهِ، فَبَاعَ نَصِيبَهُمَا صَفْقَةً بِالْإِذْنِ فِي بَيْعِهِ كَذَلِكَ أَوْ بِدُونِهِ لَمْ يُفَرِّقْهَا الثَّالِثُ، بَلْ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ أَوْ يَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ لَا بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي بَيْعِ نِصْفِ نَصِيبِهِ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ صَفْقَةً فَبَاعَ كَذَلِكَ فَلِلْمُوَكِّلِ إفْرَادُ نَصِيبِ الْوَكِيلِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِحَقِّ النِّصْفِ الْبَاقِي لَهُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَا لَا شُفْعَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِيهِ وَهُوَ مِلْكُهُ، وَعَلَى مَا فِيهِ شُفْعَةٌ وَهُوَ مِلْكُ الْوَكِيلِ، فَأَشْبَهَ مَنْ بَاعَ شِقْصًا وَثَوْبًا بِمِائَةٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ سَبَقَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ قَطْعًا وَبِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدْ عَكَسُوا هُنَا فَقَطَعُوا بِتَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، وَالْخِلَافُ فِي تَعَدُّدِ الْبَائِعِ، وَالْفَرْقُ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ فِي ذَلِكَ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشُّفْعَةَ‏)‏ بَعْدَ عِلْمِ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ ‏(‏عَلَى الْفَوْرِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا عَلَى الْفَوْرِ هُوَ طَلَبُهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ التَّمْلِيكُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْعِمْرَانِيِّ وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَقْوَالٌ‏:‏ أَحَدُهَا تَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَانِيهَا‏:‏ تَمْتَدُّ مُدَّةً تَسَعُ التَّأَمُّلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الشِّقْصِ وَثَالِثُهَا‏:‏ أَنَّهَا عَلَى التَّأْبِيدِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِإِسْقَاطِهَا أَوْ يُعَرِّضْ بِهِ كَبِعْهُ لِمَنْ شِئْتُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ عَشْرَ صُوَرٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْفَوْرُ وَغَالِبُهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ لَا بَأْسَ بِجَمْعِهَا‏:‏ الْأُولَى‏:‏ لَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ مَا دَامَ الْخِيَارُ بَاقِيًا الثَّانِيَةُ‏:‏ لَهُ التَّأْخِيرُ لِانْتِظَارِ إدْرَاكِ الزَّرْعِ وَحَصَادِهِ عَلَى الْأَصَحِّ الثَّالِثَةُ‏:‏ إذَا أَخْبَرَ بِالْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ مِنْ زِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ فَتَرَكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَحَقُّهُ بَاقٍ الرَّابِعَةُ‏:‏ إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ غَائِبًا فَلِلْحَاضِرِ انْتِظَارُهُ وَتَأْخِيرُ الْأَخْذِ إلَى حُضُورِهِ الْخَامِسَةُ‏:‏ إذَا اشْتَرَى بِمُؤَجَّلٍ السَّادِسَةُ‏:‏ لَوْ قَالَ‏:‏ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي الشُّفْعَةَ وَهُوَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ السَّابِعَةُ‏:‏ لَوْ قَالَ الْعَامِّيُّ‏:‏ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ هُنَا وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبُولُ قَوْلِهِ الثَّامِنَةُ‏:‏ لَوْ كَانَ الشِّقْصُ الَّذِي يَأْخُذُ بِسَبَبِهِ مَغْصُوبًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْبُوَيْطِيُّ فَقَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شِقْصٌ مِنْ دَارٍ فَغُصِبَ عَلَى نَصِيبِهِ ثُمَّ بَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ، فَلَهُ الشُّفْعَةُ سَاعَةَ رُجُوعِهِ إلَيْهِ نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ‏.‏ التَّاسِعَةُ‏:‏ الشُّفْعَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْوَلِيُّ لِلْيَتِيمِ لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ، بَلْ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرَاخِي قَطْعًا حَتَّى لَوْ أَخَّرَهَا أَوْ عَفَا عَنْهَا، لَمْ يَسْقُطْ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ‏.‏ الْعَاشِرَةُ‏:‏ لَوْ بَلَغَهُ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، فَأَخَّرَ لِيَعْلَمَ لَا يَبْطُلُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ، وَأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ ‏(‏فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ‏)‏ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ‏(‏بِالْبَيْعِ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏فَلْيُبَادِرْ‏)‏ عَقِبَ عِلْمِهِ بِالشِّرَاءِ ‏(‏عَلَى الْعَادَةِ‏)‏ وَلَا يُكَلَّفُ الْبِدَارَ عَلَى خِلَافِهَا بِالْعَدْوِ وَنَحْوِهِ، بَلْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، فَمَا عَدُّوهُ تَقْصِيرًا وَتَوَانِيًا كَانَ مُسْقِطًا، وَمَا لَا فَلَا، وَسَبَقَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ وَذَكَرَ هُنَا بَعْضَهُ، فَلَوْ جَمَعَهُمَا فِي مَوْضِعٍ وَأَحَالَ الْآخَرَ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْمُبَادَرَةِ بِالطَّلَبِ عَقِبَ الْعِلْمِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، وَاحْتَرَزَ بِالْعِلْمِ عَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَلَوْ مَضَى سُنُونَ وَلَا يُكَلَّفُ الْإِشْهَادَ عَلَى الطَّلَبِ إذَا سَارَ طَالِبُهُ فِي الْحَالِ أَوْ وَكَّلَ فِي الطَّلَبِ فَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِهِ كَمَا فِي الشُّرَّاحِ وَالرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ فَلْيُوَكِّلْ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ كَانَ‏)‏ لِلشَّفِيعِ عُذْرٌ كَكَوْنِهِ ‏(‏مَرِيضًا‏)‏ مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ لَا كَصُدَاعٍ يَسِيرٍ، أَوْ مَحْبُوسًا ظُلْمًا، أَوْ بِدَيْنٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَعَاجِزٌ عَنْ الْبَيِّنَةِ ‏(‏أَوْ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي‏)‏ غَيْبَةً حَائِلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُبَاشَرَةِ الطَّلَبِ كَمَا جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِهِ ‏(‏أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ فَلْيُوَكِّلْ‏)‏ فِي طَلَبِهَا ‏(‏إنْ قَدَرَ‏)‏ عَلَى التَّوْكِيلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ، وَيُعْذَرُ الْغَائِبُ فِي تَأْخِيرِ الْحُضُورِ لِلْخَوْفِ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يَجِدْ رُفْقَةً تُعْتَمَدُ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ الْمُفْرِطَيْنِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏؛ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ التَّوْكِيلِ ‏(‏فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ‏)‏ لَهَا عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْقُضَاةِ لَا يَحْكُمُ بِهِ فَلَمْ يَسْتَوْثِقْ لِنَفْسِهِ‏.‏ لَكِنَّ قِيَاسَ مَا قَالُوهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَقْرَبُ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ ‏(‏فَإِنْ تَرَكَ‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ التَّوْكِيلِ وَالْإِشْهَادِ فِي مَحِلِّهِ وَتَرْتِيبِهِ ‏(‏بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْأُولَى وَلِإِشْعَارِ السُّكُوتِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ بِالرِّضَا فِي الثَّانِيَةِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْحَقُهُ فِي الْأُولَى مِنَّةٌ أَوْ مُؤْنَةٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ‏:‏ أَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا هُوَ لِإِثْبَاتِ الطَّلَبِ عِنْدَ الْحَاجَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُقْتَضَى كَلَامِهِ تَعَيُّنُ التَّوْكِيلِ فِي الْغَيْبَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا فَحَضَرَ عِنْدَ قَاضِي بَلَدِ الْغَيْبَةِ وَأَثْبَتَ الشُّفْعَةَ وَحَكَمَ لَهُ بِهَا وَلَمْ يَتَوَجَّهْ إلَى بَلَدِ الْبَيْعِ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهَا تَقَرَّرَتْ بِحُكْمِ الْقَاضِي‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ فَثَبَتَ أَنَّ الْغَائِبَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَبَيْنَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ، وَقِيَاسُهُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ حَاضِرًا وَالْمُشْتَرِي غَائِبًا، وَلَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُكَلَّفْ التَّوْكِيلَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمُبَادَرَةِ بِنَفْسِهِ وَبِوَكِيلِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ التَّوْكِيلُ بِحَالَةِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهَا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَلَى التَّوْكِيلِ عِنْدَ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا، لَا لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ وَحَيْثُ أَلْزَمْنَاهُ الْإِشْهَادَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَقُولَ تَمَلَّكْتُ الشِّقْصَ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ‏.‏

المتن‏:‏

فَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَعَامٍ فَلَهُ الْإِتْمَامُ، وَلَوْ أَخَّرَ وَقَالَ لَمْ أُصَدِّقْ الْمُخْبِرَ لَمْ يُعْذَرْ إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ، وَكَذَا ثِقَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيُعْذَرُ إنْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَلَوْ‏)‏ عَلِمَ الْحَاضِرُ بِالْبَيْعِ، وَ ‏(‏كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَعَامٍ‏)‏ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ ‏(‏فَلَهُ الْإِتْمَامُ‏)‏ وَلَا يُكَلَّفُ قَطْعَهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ‏:‏ أَيْ بَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُسْتَحَبَّ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا، وَلَوْ حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا، وَأَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَهُ فَإِذَا فَرَغَ طَالَبَهُ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي لَيْلٍ فَحَتَّى يُصْبِحَ، وَلَوْ لَقِيَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الشِّقْصِ فَأَخَّرَ الْأَخْذَ إلَى الْعَوْدِ إلَى بَلَدِ الشِّقْصِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لَاسْتِغْنَاءِ الْأَخْذِ عَنْ الْحُضُورِ عِنْدَ الشِّقْصِ ‏(‏وَلَوْ أَخَّرَ‏)‏ الطَّلَبَ لَهَا ‏(‏وَقَالَ‏:‏ لَمْ أُصَدِّقْ الْمُخْبِرَ‏)‏ بِبَيْعِ الشَّرِيكِ الشِّقْصَ ‏(‏لَمْ يُعْذَرْ‏)‏ جَزْمًا ‏(‏إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ‏)‏ أَوْ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ إنْ أَخْبَرَهُ ‏(‏ثِقَةٌ‏)‏ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَإِخْبَارُ الثِّقَةِ مَقْبُولٌ، وَالثَّانِي‏:‏ يُعْذَرُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَثْبُتُ بِالْوَاحِدِ ‏(‏وَيُعْذَرُ إنْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ‏)‏ كَفَاسِقٍ وَصَبِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمُخْبِرُونَ لِلشَّفِيعِ حَدَّ التَّوَاتُرِ، فَإِنْ بَلَغُوا وَلَوْ صِبْيَانًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ فُسَّاقًا بَطَلَ حَقُّهُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ فِيمَا إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ جَهِلْتُ ثُبُوتَ عَدَالَتِهِمَا، وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ لَا تُسْمَعُ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ وَلَيْسَا عَدْلَيْنِ عِنْدِي وَهُمَا عَدْلَانِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُحْتَمَلٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ فَبَانَ بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَ حَقُّهُ، وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ بَطَلَ، وَلَوْ لَقِيَ الْمُشْتَرِي فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَتِك لَمْ يَبْطُلْ، وَفِي الدُّعَاءِ وَجْهٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ أُخْبِرَ‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ‏)‏ الشُّفْعَةَ ‏(‏فَبَانَ‏)‏ بِأَقَلَّ كَأَنْ بَانَ ‏(‏بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَ حَقُّهُ‏)‏ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ زُهْدًا بَلْ لِلْغَلَاءِ فَلَيْسَ مُقَصِّرًا وَيَبْقَى حَقُّهُ أَيْضًا لَوْ كُذِبَ عَلَيْهِ فِي تَعْيِينِ الْمُشْتَرِي أَوْ عَدَدِهِ أَوْ قَدْرِ الْمَبِيعِ أَوْ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ حُلُولِهِ أَوْ قِصَرِ أَجَلِهِ فَتَرَكَ ‏(‏وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ‏)‏ مِمَّا أُخْبِرَ بِهِ أَوْ أُخْبِرَ بِبَيْعِ جَمِيعِهِ بِأَلْفٍ فَبَانَ أَنَّهُ بَاعَ بَعْضَهُ بِأَلْفٍ ‏(‏بَطَلَ‏)‏ حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ بِالْأَقَلِّ فَبِالْأَكْثَرِ أَوْلَى وَيَبْطُلُ أَيْضًا لَوْ أُخْبِرَ بِبَيْعِ الشِّقْصِ بِكَذَا مُؤَجَّلًا فَتَرَكَ فَبَانَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّعْجِيلِ إنْ كَانَ يَقْصِدُهُ ‏(‏وَلَوْ لَقِيَ‏)‏ الشَّفِيعُ ‏(‏الْمُشْتَرِيَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ‏)‏ أَوْ سَأَلَ عَنْ الثَّمَنِ ‏(‏أَوْ قَالَ‏)‏‏:‏ لَهُ ‏(‏بَارَكَ اللَّهُ‏)‏ لَكَ ‏(‏فِي صَفْقَتِكَ لَمْ يَبْطُلْ‏)‏ حَقُّهُ‏.‏ أَمَّا فِي الْأُولَى، فَلِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ قَبْلَ الْكَلَامِ‏.‏

وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ، فَلِأَنَّ جَاهِلَ الثَّمَنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَقَدْ يُرِيدُ الْعَارِفُ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي‏.‏

وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ‏:‏ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَدْعُو بِالْبَرَكَةِ لِيَأْخُذَ صَفْقَةً مُبَارَكَةً، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ السَّلَامِ وَالدُّعَاءِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ فِي التَّجْرِيدِ ‏(‏وَفِي الدُّعَاءِ وَجْهٌ‏)‏ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِإِشْعَارِهِ بِتَقْرِيرِ بَيْعِهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إذَا زَادَ لَفْظَةَ لَكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ جَاهِلًا بِالشُّفْعَةِ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

زَالَ الْبَعْضُ قَهْرًا كَأَنْ مَاتَ الشَّفِيعُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَ الْأَخْذِ فَبِيعَ بَعْضُ حِصَّتِهِ فِي دَيْنِهِ جَبْرًا عَلَى الْوَارِثِ وَبَقِيَ بَاقِيهَا لَهُ ‏(‏وَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ‏)‏ أَوْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ بَيْعٍ كَهِبَةٍ ‏(‏جَاهِلًا بِالشُّفْعَةِ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهَا‏)‏ لِزَوَالِ سَبَبِهَا، وَهُوَ الشَّرِكَةُ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ شَرِيكًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُ يَعُمُّ جَهْلَهُ بِالْبَيْعِ وَجَهْلَهُ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ أَوْ بِفَوْرِيَّتِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ وَحُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ مَا سَبَقَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَاحْتَرَزَ بِالْجَهْلِ عَنْ الْعِلْمِ فَيَبْطُلُ جَزْمًا هَذَا إذَا بَاعَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ، فَإِنْ بَاعَ بَعْضَهَا عَالِمًا، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّهَا بِجَمِيعِ نَصِيبِهِ، فَإِذَا بَاعَ بَعْضَهُ بَطَلَ بِقَدْرِهِ وَإِذَا بَطَلَ الْبَعْضُ بَطَلَ الْكُلُّ كَمَا لَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ أَوْ جَاهِلًا فَلَا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِعُذْرِهِ مَعَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ، وَلَوْ زَالَ الْبَعْضُ قَهْرًا؛ كَأَنْ مَاتَ الشَّفِيعُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَ الْأَخْذِ فَبِيعَ بَعْضُ حِصَّتِهِ فِي دَيْنِهِ جَبْرًا عَلَى الْوَارِثِ وَبَقِيَ بَاقِيهَا لَهُ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِانْتِفَاءِ تَخَيُّلِ الْعَفْوِ عَنْهُ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الشُّفْعَةِ بِحَالٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إنْ عَلِمَ بِفَسَادِهِ فَإِنْ صَالَحَ عَنْهَا فِي الْكُلِّ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ بَطَلَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ وَكَذَا الشُّفْعَةُ إنْ عَلِمَ بِبُطْلَانِهِ؛ وَإِلَّا فَلَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ جَاهِلًا وَفَسَخَ ثُمَّ عَلِمَ، فَلَهُ الشُّفْعَةُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُرْشِدِ، وَلِلْمُفْلِسِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَفْوُ عَنْهَا وَلَا يُزَاحِمُ الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ بَلْ يَبْقَى ثَمَنُ مَا اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ إلَى أَنْ يُوسِرَ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا اشْتَرَاهُ إنْ جَهِلَ فَلَسَهُ، وَلِلْعَامِلِ فِي الْقِرَاضِ أَخْذُهَا، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا جَازَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا فَلَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ بِمَالِ الْقِرَاضِ شِقْصًا مِنْ شَرِيكِ الْمَالِكِ لَمْ يَشْفَعْ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لَهُ فَلَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ شَرِيكَ الْبَائِعِ فِي الشِّقْصِ الْمَبِيعِ مِنْهُ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا بِالظُّهُورِ وَإِنْ بَاعَ الْمَالِكُ شِقْصَهُ الَّذِي هُوَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرِيكٍ، وَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ لِذَلِكَ، وَلِلشَّفِيعِ تَكْلِيفُ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الشِّقْصِ لِيَأْخُذهُ مِنْهُ وَلَهُ أَيْضًا الْأَخْذُ مِنْ الْبَائِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُقْرِي وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ مِنْهُ وَعَفْوُ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يُسْقِطُ كُلٌّ مِنْهَا شُفْعَتَهُ، وَإِنْ بَاعَ شَرِيكُ الْمَيِّتِ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَشْفَعَ لَا لِوَلِيِّ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ، وَإِنْ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمَيِّتِ وَوَرِثَهُ الْحَمْلُ أُخِّرَتْ لِانْفِصَالِهِ، فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الْأَخْذُ لَهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لِذَلِكَ وَلِلْوَارِثِ الشُّفْعَةُ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ وَلَوْ بَاعَ الْوَرَثَةُ فِي الدَّيْنِ بَعْضَ دَارِ الْمَيِّتِ لَمْ يَشْفَعُوا، وَإِنْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا مَلَكُوهَا كَانَ الْمَبِيعُ جُزْءًا مِنْ مِلْكِهِمْ؛ فَلَا يَأْخُذُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ‏.‏

وَأَمَّا أَخْذُ كُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبَ الْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَلَوْ تَوَكَّلَ الشَّفِيعُ فِي بَيْعِ الشِّقْصِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

كِتَابُ الْقِرَاضِ

المتن‏:‏

الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ أَنْ يَدْفَعَ‏:‏ إلَيْهِ مَالًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الْقِرَاضِ هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ، وَهُوَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَقْطَعُ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا، وَقِطْعَةً مِنْ الرِّبْحِ أَوْ مِنْ الْمُقَارَضَةِ، وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرِّبْحِ، أَوْ لِأَنَّ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ، وَالْعَمَلَ مِنْ الْعَامِلِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهُ الْمُضَارَبَةَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ، وَلِمَا فِيهِ غَالِبًا مِنْ السَّفَرِ، وَالسَّفَرُ يُسَمَّى ضَرْبًا، وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَالِكَ النَّخِيلِ قَدْ لَا يُحْسِنُ تَعَهُّدَهَا وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهُ، وَمَنْ يُحْسِنُ الْعَمَلَ قَدْ لَا يَمْلِكُ مَا يَعْمَلُ فِيهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِرَاضِ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى خِلَافِ تَرْتِيبِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ كَمَا قِيلَ‏:‏ رُخْصَةٌ خَارِجٌ عَنْ قِيَاسِ الْإِجَارَاتِ، كَمَا خَرَجَتْ الْمُسَاقَاةُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَالْحَوَالَةُ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَالْعَرَايَا عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَاحْتَجَّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏، وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ بِمَالِهَا إلَى الشَّامِ، وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ عَبْدَهَا مَيْسَرَةَ‏}‏،‏.‏

وَأَمَّا ‏(‏الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ‏)‏ وَالْمُقَارَضَةُ شَرْعًا فَهُوَ ‏(‏أَنْ يَدْفَعَ‏)‏ أَيْ الْمَالِكُ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْعَامِلِ ‏(‏مَالًا لِيَتَّجِرَ‏)‏ أَيْ الْعَامِلُ ‏(‏فِيهِ، وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ‏)‏ بَيْنَهُمَا، فَخَرَجَ بِيَدْفَعَ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى الدَّارِ، وَعَدَمُ صِحَّتِهِ عَلَى دَيْنٍ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْعَامِلِ أَمْ غَيْرِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ ‏"‏ الْوَكِيلُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ قَدْ يُشَاحِحُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ أَنْ يَدْفَعَ، وَيُقَالُ‏:‏ الْقِرَاضُ الْعَقْدُ الْمُقْتَضِي لِلدَّفْعِ، لَا نَفْسُ الدَّفْعِ ا هـ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ كَوْنُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ خَالِصَةً، فَلَا يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ وَحُلِيٍّ مَغْشُوشٍ وَعُرُوضٍ وَمَعْلُومًا مُعَيَّنًا، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ، وَمُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ كَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ، وَلَا عَمَلِهِ مَعَهُ، وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلَامِ الْمَالِكِ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ‏:‏ مَالٌ وَعَمَلٌ وَرِبْحٌ وَصِيغَةٌ وَعَاقِدَانِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ كَوْنُ الْمَالِ‏)‏ فِيهِ ‏(‏دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ خَالِصَةٌ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْجُوَيْنِيُّ‏.‏

وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، ‏(‏فَلَا يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ‏)‏ وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَبْلَ ضَرْبِهِمَا‏.‏

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ لَا يُقَالُ‏:‏ تِبْرٌ إلَّا لِلذَّهَبِ، ‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏حُلِيٍّ وَمَغْشُوشٍ‏)‏ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَإِنْ رُوجِعَتْ وَعُلِمَ قَدْرُ غِشِّهَا وَجَوَّزْنَا التَّعَامُلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْغِشَّ الَّذِي فِيهَا عَرَضٌ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ، فَقَالَ‏:‏ يَقْوَى عِنْدِي أَنْ أُفْتِيَ بِالْجَوَازِ، وَأَنْ أَحْكُمَ بِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -، ‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏عُرُوضٍ‏)‏ مِثْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَقَوِّمَةً وَلَوْ فُلُوسًا؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَقْدُ غَرَرٍ إذْ الْعَمَلُ فِيهِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، وَالرِّبْحُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يَرُوجُ غَالِبًا، وَيَسْهُلُ التِّجَارَةُ بِهِ، وَهُوَ الْأَثْمَانُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ مَعًا، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ‏:‏ وَيَكُونُ نَقْدًا، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَالْأَشْبَهُ صِحَّةُ الْقِرَاضِ عَلَى نَقْدٍ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا عَزَّ وُجُودُهُ، أَوْ خِيفَ عِزَّتُهُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ‏(‏وَ‏)‏ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ ‏(‏مَعْلُومًا‏)‏، فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَجْهُولِ الْقَدْرِ دَفْعًا لِجَهَالَةِ الرِّبْحِ، بِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى الْفَسْخِ بِخِلَافِهِ، وَلَا عَلَى مَجْهُولِ الصِّفَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَمِثْلُهَا الْجِنْسُ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ عَلَى غَيْرِ الْمَرْئِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ‏.‏ وَأَنْ يَكُونَ ‏(‏مُعَيَّنًا‏)‏، فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ ذِمَّةِ غَيْرِهِ، كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَلَا عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ‏.‏ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ‏)‏ الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، فَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ فِي أَيَّتِهِمَا شَاءَ فَيَتَعَيَّنُ الْقِرَاضُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِمَا مَعْلُومًا، نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَارَضَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ عَيَّنَهَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، كَمَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا يَصِحُّ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُقْتَضَى كَلَامِهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ فِي إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ عُيِّنَتْ فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الصِّحَّةَ‏.‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ مَا لَوْ خَلَطَ أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ قَارَضْتُكَ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَشَارَكْتُك فِي الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِ أَلْفِ الْقِرَاضِ، وَيَنْفَرِدُ الْعَامِلُ بِالتَّصَرُّفِ فِي أَلْفِ الْقِرَاضِ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي التَّصَرُّفِ فِي بَاقِي الْمَالِ، وَلَا يُخْرِجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَمْعِ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى التَّوْكِيلِ فِي التَّصَرُّفِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَرَاهِمُ مُشْتَرَكَةٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ‏:‏ قَارَضْتُكَ عَلَى نَصِيبِي مِنْهَا صَحَّ، وَلَوْ قَارَضَ الْمُودِعُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ، أَوْ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ - صَحَّ، وَبَرِئَ الْغَاصِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَغْصُوبِ لِمَنْ يُعَامِلُ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَزَالَتْ عَنْهُ يَدُهُ لَا بِمُجَرَّدِ الْقِرَاضِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ‏:‏ اقْبِضْ دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ، فَإِذَا قَبَضْته فَقَدْ قَارَضْتُكَ عَلَيْهِ - لَمْ يَصِحَّ لِتَعْلِيقِهِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ اعْزِلْ مَالِي الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ فَعَزَلَهُ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ، ثُمَّ قَارَضَهُ عَلَيْهِ - لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا عَزَلَهُ بِغَيْرِ قَبْضٍ‏.‏ وَلَوْ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ بِإِذْنِهِ، وَالرِّبْحُ لِلْآمِرِ لِفَسَادِ الْقِرَاضِ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ‏.‏ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ يَكُونَ ‏(‏مُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ‏)‏، وَلَيْسَ الْمُرَادُ اشْتِرَاطُ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ أَوْ فِي مَجْلِسِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَسْتَقِلَّ الْعَامِلُ بِالْيَدِ عَلَيْهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ‏:‏ ‏(‏فَلَا يَجُوزُ‏)‏، وَلَا يَصِحُّ الْإِتْيَانُ بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ، وَهُوَ ‏(‏شَرْطُ كَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ‏)‏ أَوْ غَيْرِهِ لِيُوَفِّيَ مِنْهُ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ، وَلَا شَرْطِ مُرَاجَعَتِهِ فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، ‏(‏وَلَا‏)‏ شَرْطِ ‏(‏عَمَلِهِ‏)‏ أَيْ الْمَالِكِ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ أَيْ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ التَّصَرُّفِ يُفْضِي إلَى انْقِسَامِ الْيَدِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالْمُحَرَّرِ أَنَّ هَذَا مِنْ مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ‏:‏ مُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ اسْتِقْلَالُ الْعَامِلِ بِالتَّصَرُّفِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَأَنْ يَسْتَقِلَّ بِالتَّصَرُّفِ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِهِ مَعَهُ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَالِ تَحْتَ يَدِ وَكِيلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُشْرِفٌ مُطَّلِعٌ عَلَى عَمَلِهِ مِنْ غَيْرٍ تَوَقُّفٍ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ لَمْ يَصِحَّ أَخْذًا مِنْ التَّعْدِيلِ السَّابِقِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ‏.‏ ‏(‏وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلَامِ‏)‏ أَيْ عَبْدِ ‏(‏الْمَالِكِ مَعَهُ‏)‏ مُعِينًا لَهُ لَا شَرِيكًا لَهُ فِي الرَّأْيِ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ كَشَرْطِ إعْطَاءِ بَهِيمَةٍ لَهُ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَجُوزُ كَشَرْطِ عَمَلِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ يَدَ عَبْدِهِ يَدُهُ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلَ‏:‏ بِأَنَّ عَبْدَهُ وَبَهِيمَتَهُ مَالٌ، فَجُعِلَ عَمَلُهُمَا تَبَعًا لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ، وَبِخِلَافِ عَبْدِهِ إذَا جَعَلَهُ شَرِيكًا فِي الرَّأْيِ لِمَا مَرَّ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ وَالْبَهِيمَةُ مَعْلُومَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِغُلَامِهِ يَشْمَلُ أَجِيرَهُ الْحُرَّ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ أَنَّهُ كَعَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ‏.‏ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ مِثْلَهُ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَإِنَّمَا جَعَلْتُ الْغُلَامَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَرَطَ لِعَبْدِهِ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ عَمَلَهُ مَعَهُ لِرُجُوعِ مَا شَرَطَ لِعَبْدِهِ إلَيْهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ بَيَانِ نَوْعِ مَا يَتَّجِرُ فِيهِ الْعَامِلُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ جَزَمَ الْجُرْجَانِيِّ بِاشْتِرَاطِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ وَتَوَابِعُهَا كَنَشْرِ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا، فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً فَيَطْحَنَ وَيَخْبِزَ، أَوْ غَزْلًا يَنْسِجُهُ وَيَبِيعُهُ فَسَدَ الْقِرَاضُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ شِرَاءَ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ، أَوْ مُعَامَلَةَ شَخْصٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَمَلُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ‏)‏ وَهِيَ الِاسْتِرْبَاحُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ الْوَظِيفَةُ - بِظَاءٍ مُشَالَةٍ - مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ، ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏تَوَابِعُهَا‏)‏ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ ‏(‏كَنَشْرِ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا‏)‏ وَذَرْعِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي، وَمِنْهُ أَنَّ مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ فِعْلُهُ - إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَمَا لَا يَلْزَمُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَخَرَجَ بِالتِّجَارَةِ اسْتِخْرَاجُ الْعَامِلِ الرِّبْحَ بِاحْتِرَافٍ، كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً‏)‏ مَثَلًا ‏(‏فَيَطْحَنَ‏)‏ وَيَعْجِنَ ‏(‏وَيَخْبِزَ‏)‏ وَيَبِيعَ ذَلِكَ، ‏(‏أَوْ‏)‏ يَشْتَرِيَ ‏(‏غَزْلًا‏)‏ مَثَلًا ‏(‏يَنْسِجُهُ وَيَبِيعُهُ‏)‏ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا - ‏(‏فَسَدَ الْقِرَاضُ‏)‏ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ شُرِعَ رُخْصَةً لِلْحَاجَةِ، وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ مَضْبُوطَةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَشْمَلْهَا الرُّخْصَةُ، وَالْعَامِلُ فِيهَا لَيْسَ مُتَّجِرًا، بَلْ مُحْتَرِفًا فَلَيْسَتْ مِنْ وَظِيفَةِ الْعَامِلِ، فَلَوْ اشْتَرَى الْحِنْطَةَ وَطَحَنَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يَنْفَسِخْ الْقِرَاضُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏ ثُمَّ إنْ طَحَنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ، وَيَصِيرُ ضَامِنًا، وَعَلَيْهِ غُرْمُ مَا نَقَصَ بِالطَّحْنِ، فَإِنْ بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَدَّ فِيهِ، وَإِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَمَا شَرَطَا، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَحَظُّ الْعَامِلِ التَّصَرُّفُ فَقَطْ‏.‏ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ يَظْهَرُ الْجَوَازُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ‏.‏ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ‏:‏ لَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَيُخَزِّنَهَا مُدَّةً، فَإِذَا ارْتَفَعَ سِعْرُهَا بَاعَهَا - لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَيْسَ حَاصِلًا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ‏.‏ وَفِي الْبَحْرِ نَحْوُهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ‏.‏ بَلْ لَوْ قَالَ‏:‏ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَتَبِيعَهَا فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ‏.‏ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُضَيِّقَ الْمَالِكُ عَلَى الْعَامِلِ فِي التَّصَرُّفِ، ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ شِرَاءَ‏)‏ - بِالْمَدِّ بِخَطِّهِ - ‏(‏مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ‏)‏ كَهَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ هَذَا الثَّوْبِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ شِرَاءَ ‏(‏نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ‏)‏ كَالْخَيْلِ الْبُلْقِ وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَالْخَزِّ الْأَدْكَنِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ شَرَطَ عَلَيْهِ ‏(‏مُعَامَلَةَ شَخْصٍ‏)‏ بِعَيْنِهِ كَلَا تَبِعْ إلَّا لِزَيْدٍ، أَوْ لَا تَشْتَرِ إلَّا مِنْهُ، لِإِخْلَالِهِ بِالْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ الْمُعَيَّنَ قَدْ لَا يَرْبَحُ، وَالنَّادِرُ قَدْ لَا يَجِدُهُ، وَالشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ قَدْ لَا يُعَامِلُهُ، وَقَدْ لَا يَجِدُ عِنْدَهُ مَا يَظُنُّ أَنَّ فِيهِ رِبْحًا‏.‏ قَالَ فِي الْحَاوِي‏:‏ وَيَضُرُّ تَعْيِينُ الْحَانُوتِ دُونَ السُّوقِ؛ لِأَنَّ السُّوقَ كَالنَّوْعِ الْعَامِّ، وَالْحَانُوتَ كَالْعَرْضِ الْمُعَيَّنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النَّوْعَ إذَا لَمْ يَنْدُرْ وُجُودُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ يَنْقَطِعُ كَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التَّضْيِيقِ، وَكَذَا إنْ نَدَرَ، وَكَانَ بِمَكَانٍ يُوجَدُ فِيهِ غَالِبًا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ‏.‏ وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ شِرَاءُ غَيْرِ هَذِهِ السِّلْعَةِ، وَالشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ وَلَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَنْ يُصَارِفَ مَعَ الصَّيَارِفَةِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُونَ عَمَلًا بِالشَّرْطِ فَتَفْسُدُ الْمُصَارَفَةُ مَعَ غَيْرِهِمْ أَوْ لَا‏؟‏ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفَهُ صَرْفًا لَا مَعَ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَجْهَانِ‏:‏ أَوْجُهُهُمَا الْأَوَّلُ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ، وَإِلَّا فَالثَّانِي‏.‏ وَلَا يَشْتَرِطُ تَعْيِينَ مَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْعَامِلِ حَظًّا يَحْمِلُهُ عَلَى بَذْلِ الْمَجْهُودِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَعَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لِمَا عَيَّنَهُ إنْ عَيَّنَ كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُسْتَفَادَةِ بِالْإِذْنِ، فَالْإِذْنُ فِي الْبَزِّ يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ الْمَنْسُوجِ لَا الْأَكْسِيَةِ وَنَحْوِهَا كَالْبُسُطِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ؛ لِأَنَّ بَائِعَهَا لَا يُسَمَّى بَزَّازًا‏.‏‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةِ الْقِرَاضِ، فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ بَعْدَهَا فَسَدَ، وَإِنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ بَعْدَهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةِ الْقِرَاضِ‏)‏ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقِرَاضِ، وَهُوَ الرِّبْحُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ؛ وَلِأَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى فَسْخِ الْقِرَاضِ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ قَارَضْتُك مَا شِئْتُ أَوْ مَا شِئْتَ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُعْقَدَ فِي الْحَالِ، فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ كَأَنْ قَالَ‏:‏ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدَ قَارَضْتُك، أَوْ عَلَّقَ تَصَرُّفَهُ كَأَنْ قَالَ‏:‏ قَارَضْتُكَ الْآنَ، وَلَا تَتَصَرَّفْ حَتَّى يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ لَمْ يَصِحَّ‏.‏ أَمَّا فِي الْأُولَى فَكَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ‏.‏

وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ بِعْتُك هَذَا وَلَا تَمْلِكْهُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ‏.‏ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ‏:‏ إذَا مِتُّ فَتَصَرَّفْ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ قِرَاضًا، عَلَى أَنَّ لَكَ نِصْفَ الرِّبْحِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ، وَلِأَنَّ الْقِرَاضَ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ لَوْ صَحَّ، ‏(‏فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً‏)‏ كَشَهْرٍ لَمْ يَصِحَّ لِإِخْلَالِ التَّأْقِيتِ بِمَقْصُودِ الْقِرَاضِ، فَقَدْ لَا يَرْبَحُ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً كَشَهْرٍ ‏(‏وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ‏)‏ أَوْ الْبَيْعَ - كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ - ‏(‏بَعْدَهَا فَسَدَ‏)‏ الْعَقْدُ لِمَا مَرَّ‏.‏ ‏(‏وَإِنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ‏)‏ فَقَطْ كَأَنْ قَالَ‏:‏ لَا تَشْتَرِ ‏(‏بَعْدَهَا‏)‏، وَلَك الْبَيْعُ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَفْسُدُ الْبَيْعُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِحُصُولِ الِاسْتِرْبَاحِ بِالْبَيْعِ الَّذِي لَهُ فِعْلُهُ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّمْثِيلِ بِشَهْرٍ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ يَتَأَتَّى فِيهَا الشِّرَاءُ لِغَرَضِ الرِّبْحِ بِخِلَافِ نَحْوِ سَاعَةٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ - كَغَيْرِهِ - أَنَّهُ أَقَّتَ الْقِرَاضَ بِمُدَّةٍ وَمَنَعَهُ الشِّرَاءَ بَعْدَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تَأْقِيتًا أَصْلًا كَقَوْلِهِ‏:‏ قَارَضْتُك وَلَا تَتَصَرَّفْ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ شَهْرٍ، فَإِنَّ الْقِرَاضَ الْمُؤَقَّتَ لَا يَصِحُّ، سَوَاءٌ أَمَنَعَ الْمَالِكُ الْعَامِلَ التَّصَرُّفَ أَمْ الْبَيْعَ - كَمَا مَرَّ - أَمْ سَكَتَ أَمْ الشِّرَاءَ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً كَمُدَّةِ إقَامَةِ الْعَسْكَرِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ فِيهِ وَجْهَانِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، وَلَوْ قَالَ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ كُلَّ الرِّبْحِ لَك فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَقِيلَ قِرَاضٌ صَحِيحٌ وَإِنْ قَالَ كُلُّهُ لِي فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَقِيلَ‏:‏ إبْضَاعٌ، وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا بِالْجُزْئِيَّةِ فَلَوْ قَالَ‏:‏ عَلَى أَنَّ لَك فِيهِ شَرِكَةً أَوْ نَصِيبًا فَسَدَ، أَوْ بَيْنَنَا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ لِي النِّصْفُ فَسَدَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَك النِّصْفُ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةً أَوْ رِبْحَ صِنْفٍ فَسَدَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ‏:‏ وَهُوَ الرِّبْحُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ‏)‏، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ شَيْءٍ مِنْهُ لِثَالِثٍ إلَّا عَبْدَ الْمَالِكِ - كَمَا مَرَّ -، أَوْ عَبْدَ الْعَامِلِ، فَإِنَّ مَا شُرِطَ لَهُ يُضَمُّ إلَى مَا شُرِطَ لِسَيِّدِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

جَرَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ خِلَافَ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالُوا‏:‏ يُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُ الرِّبْحِ بِهِمَا، ‏(‏وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ‏)‏؛ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ بِمِلْكِهِ وَالْعَامِلُ بِعَمَلِهِ، فَلَا يُخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يُغْنِي الشَّرْطُ الْأَوَّلُ عَنْ هَذَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا صَدَقَ عَلَيْهِ اخْتِصَاصُهُمَا بِهِ إذَا لَمْ يُشْرَطُ فِيهِ شَيْءٌ لِثَالِثٍ‏.‏ ‏(‏فَلَوْ قَالَ‏:‏ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ كُلَّ الرِّبْحِ لَك فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ‏)‏ فِي الْأَصَحِّ نَظَرًا لِلَّفْظِ، ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ قِرَاضٌ صَحِيحٌ‏)‏ نَظَرًا لِلْمَعْنَى‏.‏ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ الْمَالِكُ‏:‏ ‏(‏كُلُّهُ‏)‏ أَيْ الرِّبْحُ ‏(‏لِي فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ‏)‏ فِي الْأَصَحِّ لِمَا مَرَّ، فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْأُولَى أُجْرَةَ عَمَلِهِ دُونَ الثَّانِيَةِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِمَا، كَمَا سَيَأْتِي، ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ هُوَ ‏(‏إبْضَاعٌ‏)‏ أَيْ تَوْكِيلٌ بِلَا جُعْلٍ لِمَا مَرَّ أَيْضًا، وَالْإِبْضَاعُ بَعْثُ مَالٍ مَعَ مَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا، وَالْبِضَاعَةُ الْمَالُ الْمَبْعُوثُ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَبْضَعْتُكَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَك أَوْ كُلَّهُ لَك هَلْ هُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ أَوْ إبْضَاعٌ‏؟‏‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ خُذْهُ وَتَصَرَّفْ فِيهِ، وَالرِّبْحُ كَذَلِكَ فَقَرْضٌ صَحِيحٌ، أَوْ كُلُّهُ فَإِبْضَاعٌ، وَفَارَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ بِأَنَّ اللَّفْظَ فِيهَا صَرِيحٌ فِي عَقْدٍ آخَرَ‏.‏ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ أَبْضَعْتُكَ كَانَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ‏:‏ تَصَرَّفْ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَيَكُونُ إبْضَاعًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ‏.‏ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ وَكَلَامُ الْفُورَانِيِّ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَقَالَ‏:‏ اتَّجِرْ فِيهَا لِنَفْسِك حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ قَرْضٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ‏:‏ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ هِبَةٌ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ خُذْ الْمَالَ قِرَاضًا بِالنِّصْفِ مَثَلًا صَحَّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ‏:‏ أَرَدْت أَنَّ النِّصْفَ لِي فَيَكُونُ فَاسِدًا، أَوْ ادَّعَى الْعَامِلُ الْعَكْسَ صُدِّقَ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، قَالَهُ سَلِيمٌ‏.‏ ‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏كَوْنُهُ‏)‏ أَيْ الْإِشْرَاكِ فِي الرِّبْحِ ‏(‏مَعْلُومًا بِالْجُزْئِيَّةِ‏)‏ كَالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ مَعْلُومًا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَلَوْ قَالَ‏)‏‏:‏ قَارَضْتُك ‏(‏عَلَى أَنَّ لَك‏)‏ أَوْ لِي ‏(‏فِيهِ شَرِكَةً أَوْ نَصِيبًا‏)‏ أَوْ جُزْءًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ، أَوْ عَلَى أَنْ تَخُصَّنِي بِدَابَّةٍ تَشْتَرِيهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ تَخُصَّنِي بِرُكُوبِهَا أَوْ بِرِبْحِ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ مَثَلًا، وَلَوْ كَانَا مَخْلُوطَيْنِ، أَوْ عَلَى أَنَّك إنْ رَبِحْت أَلْفًا، فَلَكَ نِصْفُهُ، أَوْ أَلْفَيْنِ فَلَكَ رُبْعُهُ ‏(‏فَسَدَ‏)‏ الْقِرَاضُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الرِّبْحِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ، وَبِعَيْنِهِ فِي الْأَخِيرَةِ، وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ فِي صُورَتِهَا الثَّانِيَةِ رُبَّمَا تَنْقُصُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَيَتَعَذَّرُ التَّصَرُّفُ فِيهَا، وَلِأَنَّهُ خُصِّصَ الْعَامِلُ فِي الَّتِي تَلِيهَا، وَفِي صُورَتِهَا الْأُولَى بِرِبْحِ بَعْضِ الْمَالِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنَّ الرِّبْحَ ‏(‏بَيْنَنَا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ‏)‏، كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ هَذِهِ الدَّارُ بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ فَإِنَّهَا تُجْعَلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِغَيْرِ الْمُنَاصَفَةِ، فَلَا يَكُونُ الْجُزْءُ مَعْلُومًا، كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ بِعْتُك بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا أَثْلَاثًا لَمْ يَصِحَّ، كَمَا فِي الْأَنْوَارِ لِلْجَهْلِ بِمَنْ لَهُ الثُّلُثُ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثَانِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ قَارَضْتُك كَقِرَاضِ فُلَانٍ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ الْقَدْرَ الْمَشْرُوطَ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ قَارَضْتُك وَلَك رُبْعُ سُدُسِ الْعُشْرِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لِسُهُولَةِ مَعْرِفَتِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً وَجَهِلَا حَالَ الْعَقْدِ حِسَابَهُ‏.‏ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ لِي النِّصْفُ‏)‏ مَثَلًا وَسَكَتَ عَنْ جَانِبِ الْعَامِلِ ‏(‏فَسَدَ فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَائِدَةُ الْمَالِ فَيَكُونُ لِلْمَالِكِ؛ إلَّا أَنْ يُنْسَبَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الْعَامِلِ، وَلَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ شَيْءٌ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَصِحُّ وَيَكُونُ النِّصْفُ الْآخَرُ لِلْعَامِلِ‏.‏ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَك النِّصْفُ‏)‏ مَثَلًا وَسَكَتَ عَنْ جَانِبِهِ ‏(‏صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏؛ لِأَنَّ الَّذِي سَكَتَ عَنْهُ يَكُونُ لِلْمَالِكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ، فَكَانَ كَقَوْلِهِ‏:‏ لَك النِّصْفُ وَلِيَ النِّصْفُ، بِخِلَافِ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَصِحُّ كَالَّتِي قَبْلَهَا‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ بِالْجُزْئِيَّةِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا‏)‏ مَالِكٍ أَوْ عَامِلٍ ‏(‏عَشَرَةً‏)‏ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالشِّينِ بِالنَّصْبِ - بِخَطِّهِ مِنْ الرِّبْحِ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ، أَوْ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا ‏(‏رِبْحَ صِنْفٍ‏)‏ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، أَوْ شَرَطَ لَهُ النِّصْفَ وَدِينَارًا مِثْلًا، أَوْ إلَّا دِينَارًا ‏(‏فَسَدَ‏)‏ الْقِرَاضُ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّةِ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ قَدْ يَنْحَصِرُ فِيمَا قَدَّرَهُ، أَوْ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ فَيُؤَدِّي إلَى اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِالرِّبْحِ، وَهُوَ خِلَافُ وَضْعِ الْقِرَاضِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ قَارَضْتُك وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرِّبْحِ فَسَدَ الْقِرَاضُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ وَضْعِهِ‏.‏